ريادة أعمال

شركة دون رصيد

pexels photo 4475523

كثيراً ما تمر علينا تجارب مرور الكرام، لا نذكر منها شيئاً، وتبقى في حياتنا مجرد ذكرى بسيطة، وأحياناً، تبقى بعض التجارب
خالدة فينا، نتذكرها عند كل إخفاق للصعود مجدداً، لتكون حافزاً وداعماً لنا.
عندما كنت أدرس تكنولوجيا المعلومات في إحدى جامعات غزة، تأثرت كثيراً بقصة بيل جيتس -مؤسس شركة مايكروسوفت-،
وطريقة حصوله على الثروة، وأهم الأمور التي علقت في ذهني حينها، وظلّت ومضة مشعة، هي تركه للجامعة، وبدء
مشروع إنشاء شركة “مايكروسوفت”
آنذاك، كنت في السنة الأخيرة من الجامعة، وكنت أتطلع للنجاح راساً مستقبلاً لي، فقررت وأحد أصدقائي فتح شركة برمجيات
في غزة، للعمل على تطوير المواقع. الغريب في الأمر، أننا لم نكن نملك أي تمويل، ورفض الأهل مساعدتنا، وذلك لعدم رواج
ثقافة ريادة الأعمال في البلد حينذاك، بالإضافة إلى عدم ثقتهم بقدراتنا. وكان أمامنا عقبات كثيرة، وقفت في طريقنا
محاولةً منعنا من البدء في المشروع. هذا طبيعي، خصوصاً مع الشركات الناشئة. شخصياً، ما زالت التجربة في ذهني، سأروي
لكم بعض تفاصليها، والدروس المستفادة منها.

التحديات

التحدي الأول

أكثر التحديات التي واجهتنا في البداية، هي التمويل، لم نكن نملك حينها “شاقلاً” واحداً، فحاولنا جمع مبلغ من المال، سألنا
هنا وهناك، وذهبنا إلى الأهل والأصدقاء من أجل استدانة أي مبلغ، وفي النهاية جمعنا مبلغ ألف دولار دَيناً، نصفه دَين عليّ،
والنصف الآخر على صديقي. المبلغ حينها لم يكن يساوي شيئًا، إنه حقاً لأمرٌ صعب. تخيلوا أننا نفتح شركة برأس مال صغير!
لا يكفي حتى لإيجار مكان مناسب في غزة، خاصة في ظل الغلاء الرهيب الذي تعاني منه غزة في العقارات، فكيف
سيكون الحال؟. ورغم ذلك لم نستسلم.
وكان لصديقي أخ يمتلك شركة في أحد أحياء غزة، ومساحة مكتبها كبير نسبياً، اتفقنا على مناصفة المكان. ثم بدأنا بتجهيز
شركتنا الصغيرة، اشترينا بعض الأثاث من سوق الصحابة، وجلبنا جزءاً آخر من البيت، وساعدنا الأصدقاء والأهل بتجهيز المكان.
كنا لا نملك أجهزة حاسوب، فجئت بجهازي من البيت، وكذلك فعل صديقي، وهكذا جهزنا مقر الشركة بالحد المعقول لتكون
جاهزة للانطلاق كأي مشروع ريادي.

التحدي الثاني

تمثَّل في إيجاد فريق مناسب للعمل، تواصلنا مع صديق يعمل في الجامعة، وطلبنا منه ترشيح أكثر من اسم للعمل
معنا. كنا نحتاج لمصمم، ومحلل أنظمة، ومسؤول تسويق، فاقترح علينا نشر إعلان على موقع الجامعة، وبعد يومين
من الإعلان، وصلنا أكثر من 300 سيرة ذاتية، اخترنا منهم الفريق المناسب. ظهرت الآن العقبة الأكبر، “كيف ندفع لهم
رواتبهم، ونأتي لهم بالأجهزة؟” شرحنا الوضع للفريق، أغلبهم تفهَّم الأمر، وجاء بجهازه الخاص، وكان الراتب بنظام النسبة،
وعلى القطعة.
كانت الشركة تغطي مصاريفها من نفقات تشغيلية ورواتب، ومضى على إنشائها سنة، ثم حدث خلاف بيني وبين صديقي
على أشياء كثيرة على صلةٍ بالإدارة، فكان المصير، إغلاق الشركة، والبحث عن بدائل. زادت الأعباء الاجتماعية عليّ، وأصبحت
أرى الحياة أكثر صعوبة، خصوصاً بعد زواجي، وأيضاً تأثُّر دراستي بسبب انشغالي المستمر، فقررت التركيز على الدراسة،
بجانب البحث عن فرصة عمل مناسب.

كانت هذه التجربة الريادية الأولى في حياتي، وعلى بساطة التجربة -بنظر البعض-، إلا إنها أعطتنا الدافع للإقدام على أي
مغامرة، وبأقل الإمكانيات. لم نفكر حينها بالتكلفة المالية، ولا الأعباء التشغيلية التي يفكر بها أغلب رواد الأعمال-بالرغم
من أهميتها-. واليوم، مع وجود مواقع التمويل الجماعي، وحاضنات الأعمال، أصبح الأمر أسرع وأسهل أيضاً.
فإذا كانت لديك فكرة ريادية فادرسها جيداً، وقم باستشارة من يعملون في المجال، ثم ابحث لها عن تمويل، وابدأ من الدائرة
المحيطة، وانطلق! فلا تجعل أي عائق يقف في طريق تحقيقك لهدفك.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *